زيادة انتشار الفقر في لبنان: انزلاق سريع نحو القعر والحلول “ترقيعية”
بين تشرين الثاني 2021 وكانون الثاني 2022، أجرت “هيومن رايتس ووتش” مسحاً على عيّنة تمثيلية شملت 1209 أسر في لبنان لمعرفة أوضاعهم الاقتصادية ومدى قدرتهم على تحمل التكاليف الأساسية من الطعام والدواء والسكن والتعليم.
وأظهر المسح أن انعدام الأمن الغذائي قد وصل إلى مستويات تنذر بالخطر، إذ إن العديد من العائلات، بمن فيهم الأطفال، يعيشون الجوع. لا يأكل شخص بالغ في أسرة واحدة من بين كل عشر أسر ليوم كامل بسبب نقص المال. في حين وجد مسح أجرته “اليونيسف” في حزيران أن ما يصل إلى 70% من الأسر تقترض المال لشراء الطعام أو تشتريه بالدين. وقالت إنه يتم إرسال المزيد من الأطفال للعمل لإعالة أسرهم، ويتم تزويج الفتيات الصغيرات لتخفيف النفقات المالية.
في آذار 2022، أصدرت الحكومة أول مؤشر متعدد الأبعاد للفقر، استناداً إلى بيانات مسح الأسر المعيشية 2019/2018 على 19 مؤشراً يتوزع على خمسة أبعاد: التعليم، والصحة، والرفاه المالي، والبنية التحتية الأساسية، ومستويات المعيشة. وجد التقييم أن في العام 2019 – أي قبل الأزمة – كان 53.1% من السكان يعيشون في فقر متعدد الأبعاد.
هذا الواقع التوصيفي كان قبل الأزمة، فما هي الحال بعد الأزمة الاقتصادية والانهيار المتواصل لليرة اللبنانية وزيادة البطالة وانتشار رقعة الفقر أكثر وغياب شبه كلّي للطبقة الوسطى؟ في أواخر العام 2021 قدّرت الأمم المتحدة أن قرابة 3.28 ملايين شخص، دُفعوا إلى فقر الدخل منذ بدء الأزمة الاقتصادية في لبنان العام 2019. وازداد الوضع سوءاً بالنسبة للآخرين الذين كانوا أصلاً يعانون لتأمين حقوقهم الاقتصادية الأساسية، بما في ذلك الحق في الغذاء، أو التعليم، أو الرعاية الصحية.
وتقدر “لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا” (الإسكوا) أن الفقر متعدد الأبعاد ارتفع من 25% عام 2019 إلى 82% عام 2021. ويعيش 74% من السكان في فقر الدخل، بأقل من 14 دولاراً أميركياً في اليوم. في حين يقدر البنك الدولي أن أكثر من نصف السكان كانوا يعيشون تحت خط الفقر الوطني عام 2020.
كل هذه الأرقام والنسب تُلخص واقعاً مخيفاً يزداد انتشاراً سنة تلو الأخرى، وربما يكون توصيف البنك الدولي الأدق للحالة اللبنانية “أنها من أسوأ الأزمات المالية والاقتصادية التي عرفها العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر”.
يعترف وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الأعمال هيكتور الحجار أن “لا إحصاءات دقيقة عن أرقام الفقر، إلا أن الفقر في لبنان متعدد الأوجه وهو فقر لا مثيل له في العالم، هناك أغنياء هم اليوم فقراء بسبب حجز أموالهم في المصارف، ولم يعد بإمكاننا حصر الفقر في مكان واحد. لقد دخلنا في أزمة متشعبة وفي لبنان 35-40% من النازحين السوريين والجنسيات الأخرى يكبدون الاقتصاد اللبناني ضغوطاً ويسحبون من لبنان كثيراً مما كنا ندعمه سواء من جهة الدواء أو الطاقة أو الفيول…
واليوم نعمل على وقف كل مشروع لا يذهب إلى المناصفة بين النازحين واللبنانيين، وأؤكد أن هناك نحو مليوني لبناني يستفيدون من المساعدات النقدية أو الغذائية، بالإضافة إلى آلاف اللبنانيين الذين يعملون في مشاريع مع الوزارة والمؤسسات الدولية بمبدأ العمل مقابل المال.
ويتساءل حجار من المسؤول عن الانهيار المالي في البلد وكيف يمكن معالجته؟ لغاية اليوم لم أفهم ما هو السبب لتدهور العملة اللبنانية، اسأل وزير المال ولا أفهم منه، أسأل الحكومة ولا أفهم منها، ولغاية اليوم لا نعرف من هو رأس هذه العملية.
ويؤكد رفضه مواجهة الدعم الإنساني بالصراع السياسي، ويقول: “ليس مبرراً أن تؤدي الخلافات إلى تجويع الناس وتفقيرهم “وأعترف أن كل الشكاوى التي وردت إلينا والتي تأخرنا في معالجتها سيتم حلّها تباعاً وسيأخذ كل من له حق حقه وخاصة من ذوي الحاجات الخاصة والمسنين والأمراض المستعصية”.
كما يشير حجار إلى أن “منذ أيلول 2021 وحتى اليوم ارتفع عدد المستفيدين من برنامج “الأكثر فقراً” من 32 ألف عائلة إلى 75 ألف عائلة، بالإضافة إلى تحويل الدفع من الليرة اللبنانية إلى الدولار (بين 100-145 دولاراً). كما أطلقنا برنامج “أمان” الذي استفادت منه 76 ألف عائلة خلال سنة واحدة، ونعمل مع الجهات الدائنة على تجديد البرنامج لسنة أخرى”.
المصدر: النهار